زوجة الأب والعنف ضد الأطفال- دوافع غريزية وحلول لحماية الأبناء
المؤلف: بشرى فيصل السباعي07.31.2025

في الآونة الأخيرة، تفاقمت بشكل ملحوظ حوادث الاعتداء والقتل التي يتعرض لها الأطفال على يد زوجات الآباء، مما أثار قلقًا واسع النطاق وإحساسًا بأن هذه الممارسات المؤلمة أصبحت ظاهرة متنامية. ومع كل فاجعة من هذه الفواجع، تعود الأسئلة نفسها لتطرح بإلحاح حول الأسباب الجذرية التي تقف وراء هذه الجرائم المروعة، وما الإجراءات الحاسمة التي يجب اتخاذها لمنع تكرارها في المستقبل.
والحقيقة المؤلمة هي أن هذه الظاهرة المؤسفة تتجاوز حدود المملكة العربية السعودية، فهي مشكلة عالمية تبعًا لتقرير صادر عن إدارة الصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية (NIS-4). يكشف التقرير أن الأطفال الذين يعيشون في كنف زوجة الأب أو زوج الأم يتعرضون لسوء المعاملة والإيذاء بنسبة تزيد عشرين ضعفًا مقارنة بأقرانهم الذين ينعمون برعاية والديهم البيولوجيين.
وقد توصل العلماء إلى تفسير لهذه الظاهرة المزعجة من خلال دراسة سلوك الحيوانات. ففي عالم الحيوان، وخصوصًا لدى الأسود والفئران وجماعات القرود، من الشائع أنه بعد صراع مرير بين ذكرين يتزعمان المجموعة، وعندما ينتصر أحدهما ويسيطر على المجموعة وإناثها، يلجأ إلى قتل صغار الذكر المهزوم. تُعرف هذه الظاهرة بـ "وأد الصغار" (Infanticide)، وفي بعض الأحيان تمارسها إناث بعض الحيوانات أيضًا. يُعتقد أن الدافع الأساسي وراء هذا السلوك هو القضاء على المنافسة المحتملة على الموارد المتاحة، وذلك بقتل الأفراد الذين لا يحملون جيناتهم.
يُعزى هذا السلوك الغريزي إلى الرغبة العميقة والمتأصلة في جميع الكائنات الحية في توريث جيناتها وخلق جيل جديد يحمل صفاتها الوراثية. وهذا يفسر لماذا ينفق الأزواج مبالغ طائلة في محاولات علاج العقم، بدلًا من اللجوء إلى التبني.
وفي قصة النبي يوسف، عليه السلام، عبرة بليغة عن هذه النزعة البشرية. فالإخوة العشرة الذين تآمروا للتخلص من يوسف كانوا من أم واحدة، بينما كان يوسف وأخوه بنيامين، الذي ضمه إليه في حادثة "صواع الملك" لحمايته، من أم ثانية.
إذًا، ما الذي يترتب على إدراكنا بأن هناك نزعة غريزية لاواعية تدفع بعض الأفراد إلى إيذاء أبناء الزوج أو الزوجة؟ الجواب يكمن في ضرورة إعادة النظر في مسألة منح الحضانة بشكل دائم للأب، مع التأكيد على أهمية تخيير الأبناء في تحديد من يرغبون في العيش معه. فالطفل بطبيعته يمتلك القدرة على التمييز بين من يحسن معاملته ومن يسيء إليه، ويميل إلى الشخص الذي يظهر له المودة والرحمة. وهذا ما أكدته سنة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، حيث روى الترمذي في حديث صحيح أن النبي "خير غلامًا بين أبيه وأمه"، وروى أيضًا في حديث صحيح "أن امرأة جاءت فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني.. فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي: هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به".
لكن للأسف، ما يحدث في الواقع غالبًا ما يتعارض مع هذه السنة النبوية. ففي كثير من الحالات، حتى بعد تكرار حوادث إساءة معاملة الأبناء، يتم إعادتهم قسرًا إلى والدهم. وقد تناقلت وسائل الإعلام قصصًا مأساوية لفتيات اضطررن إلى الهرب إلى منزل الأم بسبب ما يتعرضن له من تعذيب وحرمان من الحقوق في كنف الأب، الذي قد يكون مدانًا بتعاطي المخدرات. وعندما رفضن الامتثال لأمر العودة إلى والدهن، تم حجزهن في دار الرعاية، ولم تجد مناشدات الأم المكلومة عبر وسائل التواصل والإعلام آذانًا صاغية!
ختامًا، من الأفضل أن يتريث الزوجان قليلًا حتى تستقر علاقتهما وتتحسن قبل الإقدام على الإنجاب، وتجنب التعدد قدر الإمكان، حفاظًا على سلامة الأطفال واستقرار الأسرة.